" الغُــربة "
قُصة من واقع الحياة
جلسوا إلى الطاولة في المقهى العربي ..وقد أهمَتهُم أنفسهم , صبوا اللعنات ..يميناً ويساراً
على بلدهم الذي لفظهم إلى الغربة ,وعلى بلد الغربة ..الذي زادهم غربة ! دخل عليهم
كعادته مبتهجاً عائداً من عمله ,حاملاً حقيبته السمسونايت ..التي يحملها معه دائماً ! .
كان قد تغرب من عقود سنين ..وتغربوا من سنوات معدودة ! , ذهب ليأتي بالشاي بنفسه
بدلاً من نادل المقهى الذي ألَفهُ وألَفَ عادته بأن يصب الشاي لنفسه ..بأستكانه العراقي
البحت!! الذي أودعه في المقهى منذ أن أصبح أحد رواد المقهى ..و إستقراره في هذا البلد
بعد مشوار غُربة طالـت أمد طويل .
جلَس إليهم ليشرح لهم بعضاً من قوانين البلد ..التي غابت عنهم حسب طلبهم إليه بالأمرهذا
..وبين الفينة والأخرى يمد يده ليحتسي الشاي من إستكانه الأثير !! . صعُبً الأمرُ عليهم ..
من كثرة التفصيلات والضوابط في القوانين لهذا البلد اللعين !! وهُمْ الذين لم يعتادوا على
هذا الأمر في بلدهم ..حيث كان الأمر (من هو عمك ..من هو خالك !! ) ..قال لهم يجب أن
تعتادوا الأمر ..هل نسِيتم بالله عليكم ..مَن هوً أول مَن سَنً القوانين لحفظ أرواح وممتلكات
الرعية !! إنه العراق . هونوا الأمر ..وستعتادونه بكل يسر ..فلا يوجد أروع مِن ..مَن
يحفظ حقوقك !! .
هزً أحدهم كتفيه بتسأل ممزوجاً بضيق .. قائلاً له لأنك لم تعشْ المآسي التي مرً بها العراق
ومررنا بها نحن ! .. لم يتضايق من هذا القول الذي إعتاد سِماعه ..مِن كثيرين الذين تغربوا
..وبدءوا بتعليق فشلهم في التأقلم مع الواقع الجديد.. على الغربة , إتخذوا الغربة كمسمار
جحا , يلجأون اليه لتبرير هذا الفشل .
قال لهم وبكل ثقة ووضوح .. إن بلدي مهما بعُدتُ عنه وطال الأمد .. ينتظرني وأنتظره ..
إنما هوً .. وهوً.. بالذات دافعي للنجاح .. لأعود له محملاً بالعلم وسأُشارك ببنائه ..فهو
هدفي الأخير بالحياة ..وهوً ..عُشقي الأول والأخير .
الغربة .. غلبتها .. ولم أدعها تغلبني ؟!
ثُمً.. أن الغربة .. لها أحكامها ! فمنذ أن بدأت غربتي الفزيولوجية .. حملت الوطن روحياً
ورحمياً .. تفاعلت معه بوجداني وبكل مشاعري , أأنسى الحصار..حصار القرن.. حصار
العراق ! أم أنسى ضرب ملجأ العامرية ! أم أنسى جوع الأطفال ..وثكلى الأمهات ..وقهر
الرجال ! أم أنسى الأدهى والأمَرْ ! إحتلال وطني مِن قِبَل الأجنبي ..لا ..لم أنسى ..ولن
أنسى . ولكن كانت .. هناك أمرأة في حياتي ..عززت قدراتي .. ودعمتني .. وقوتني
وذًكرَتْـني .. ولا تزال تذكِرُني .. هيً أُمي .
يوم بدأت غربتي كتبت لي كلمات .. حمَلْـتَها معي وأطرْتَها ووضعتها قُبالتي ..أُصبح عليها
وأُمسي , تقول كلمات أمي ..
ياأبني .. الغربة لها أحكامها , وبما أنك قد نويت .. فاذكر..
عندما تضعف أمام شوقك ... حولْ شوقك إلى عمـل وعمـل وعمـل
عندما يهـزك الحنين .... أخْرُجْ إلى الناس لا تبـقى وحـيـداً
عندما تـفـتقـد الحب .... أحِبْ مَن حولَـك وكأنهم أهـلـك
عندما تـدمع عيناك ... حـول دمعك إلى حـبر وأُكـتـبْ
وأخيـراً ..وليس آخَــراً :
كُن مع الله يكُن معك .. فقد قال تعالى
( فآذكروني أذكُركُم وآشكروا لي ولا تكفرون) .. البقرة 152 .
وقد كَتبتُ بدمع عيني الكثير !! .
فتح حقيبته .. وقرأ لهم ما كتبه ..في إحدى محطات غربته ,وهو جالس على ضفةِ نهرٍ
ذّكَرَهُ بِـــدجلةِ الخير , بعد أن أحطت بجانبه عصفورة ! ..
" تسألني عُـصفورَتي "
تسألني عُصفورتي عن بلدي .... وهيً تقرأ عنهُ مُنذُ أعوام
تـقـرأ آداباً وفـنوناً وأقـاصيصَ الـزمان
تَطيرُ على بِساط الريحِ إلى أحلامٍ وجِنان ..
أسـفـارُ سندبادَ بـين البـُلدان
أوتارُ شهرزادَ على السلطان
أسرارُ بغدادَ بنغماتٍ وألـحان
عبـيرُ الأورادِ والـرَيحان
جبالُ الأكـرادِ والوديان
آثارُ الأجدادِ والجُدران
طِباعُ الأحفادِ والإكرام
تسألُـني عما لا تصِفهُ الأقـلام
ما لا تـقرأهُ في كُتبٍ ...ولا تسمعهُ مِـن لِسـان
تسألني عن المسكوف .. وعن الشبوط .. وعن أسرارِ الطعام
تسألُني عن الفراتينِ .. هل يُشبِهان النيلين في السودان
وعن أرضِ حضاراتهِ .. هل تـُشبه أرضَ مِصرَ والأهـرام
وعن المسماريةِ .. أولُ كتابةٍ للإنسان .. ألا تزالُ جميلةً على أقدَم الجدران ؟
والمُستنصريةِ .. ألا تزالُ بنفسِ العمران .. ألا تزالُ تُـثـقٍـفُ أحسنَ الأنام ؟
وأعجوبةِ الدُنيا .. الجِنانِ المعلقةِ ... أحقاً باهرةً للعيان ؟
والمنارةِ الحدباءَ في أُمٍ الربيعين ..أحقاً تزداد ميلان ؟!
أحقاً هوً بـلدُ السوادِ تحت النخيلِ ... ظِلالٌ ظلام ؟!
أحقاً يُشـفَى المريضُ في حمام العليلِ ... أسخنِ حمام ؟!
أحقاً تَشعُرُ بمسقطِ رأس الخليلِ ... وحُطام الأصنام ؟!
وديـرْ مارْ مَتّي , مغارةٌ للجليلِ ... ورهبـةِ الرهبان ؟!
كُــفي يــا عُصفورَتي ! لا تسأليني عما لا ينقلهُ الـلِسـان
رَفرِفي على بـيدائِـه وجِبالـهِ والوديـان
قالت .... كَيْفَ .. ومُنذُ عشرِ سنينٍ .. سماؤهُ ممنوعةُ الطيران !!!!
فالعصفورةُ ... لا تعيشُ لأكثرَ مِن عشرةِ أعوام
من بريدي الخاص
قُصة من واقع الحياة
جلسوا إلى الطاولة في المقهى العربي ..وقد أهمَتهُم أنفسهم , صبوا اللعنات ..يميناً ويساراً
على بلدهم الذي لفظهم إلى الغربة ,وعلى بلد الغربة ..الذي زادهم غربة ! دخل عليهم
كعادته مبتهجاً عائداً من عمله ,حاملاً حقيبته السمسونايت ..التي يحملها معه دائماً ! .
كان قد تغرب من عقود سنين ..وتغربوا من سنوات معدودة ! , ذهب ليأتي بالشاي بنفسه
بدلاً من نادل المقهى الذي ألَفهُ وألَفَ عادته بأن يصب الشاي لنفسه ..بأستكانه العراقي
البحت!! الذي أودعه في المقهى منذ أن أصبح أحد رواد المقهى ..و إستقراره في هذا البلد
بعد مشوار غُربة طالـت أمد طويل .
جلَس إليهم ليشرح لهم بعضاً من قوانين البلد ..التي غابت عنهم حسب طلبهم إليه بالأمرهذا
..وبين الفينة والأخرى يمد يده ليحتسي الشاي من إستكانه الأثير !! . صعُبً الأمرُ عليهم ..
من كثرة التفصيلات والضوابط في القوانين لهذا البلد اللعين !! وهُمْ الذين لم يعتادوا على
هذا الأمر في بلدهم ..حيث كان الأمر (من هو عمك ..من هو خالك !! ) ..قال لهم يجب أن
تعتادوا الأمر ..هل نسِيتم بالله عليكم ..مَن هوً أول مَن سَنً القوانين لحفظ أرواح وممتلكات
الرعية !! إنه العراق . هونوا الأمر ..وستعتادونه بكل يسر ..فلا يوجد أروع مِن ..مَن
يحفظ حقوقك !! .
هزً أحدهم كتفيه بتسأل ممزوجاً بضيق .. قائلاً له لأنك لم تعشْ المآسي التي مرً بها العراق
ومررنا بها نحن ! .. لم يتضايق من هذا القول الذي إعتاد سِماعه ..مِن كثيرين الذين تغربوا
..وبدءوا بتعليق فشلهم في التأقلم مع الواقع الجديد.. على الغربة , إتخذوا الغربة كمسمار
جحا , يلجأون اليه لتبرير هذا الفشل .
قال لهم وبكل ثقة ووضوح .. إن بلدي مهما بعُدتُ عنه وطال الأمد .. ينتظرني وأنتظره ..
إنما هوً .. وهوً.. بالذات دافعي للنجاح .. لأعود له محملاً بالعلم وسأُشارك ببنائه ..فهو
هدفي الأخير بالحياة ..وهوً ..عُشقي الأول والأخير .
الغربة .. غلبتها .. ولم أدعها تغلبني ؟!
ثُمً.. أن الغربة .. لها أحكامها ! فمنذ أن بدأت غربتي الفزيولوجية .. حملت الوطن روحياً
ورحمياً .. تفاعلت معه بوجداني وبكل مشاعري , أأنسى الحصار..حصار القرن.. حصار
العراق ! أم أنسى ضرب ملجأ العامرية ! أم أنسى جوع الأطفال ..وثكلى الأمهات ..وقهر
الرجال ! أم أنسى الأدهى والأمَرْ ! إحتلال وطني مِن قِبَل الأجنبي ..لا ..لم أنسى ..ولن
أنسى . ولكن كانت .. هناك أمرأة في حياتي ..عززت قدراتي .. ودعمتني .. وقوتني
وذًكرَتْـني .. ولا تزال تذكِرُني .. هيً أُمي .
يوم بدأت غربتي كتبت لي كلمات .. حمَلْـتَها معي وأطرْتَها ووضعتها قُبالتي ..أُصبح عليها
وأُمسي , تقول كلمات أمي ..
ياأبني .. الغربة لها أحكامها , وبما أنك قد نويت .. فاذكر..
عندما تضعف أمام شوقك ... حولْ شوقك إلى عمـل وعمـل وعمـل
عندما يهـزك الحنين .... أخْرُجْ إلى الناس لا تبـقى وحـيـداً
عندما تـفـتقـد الحب .... أحِبْ مَن حولَـك وكأنهم أهـلـك
عندما تـدمع عيناك ... حـول دمعك إلى حـبر وأُكـتـبْ
وأخيـراً ..وليس آخَــراً :
كُن مع الله يكُن معك .. فقد قال تعالى
( فآذكروني أذكُركُم وآشكروا لي ولا تكفرون) .. البقرة 152 .
وقد كَتبتُ بدمع عيني الكثير !! .
فتح حقيبته .. وقرأ لهم ما كتبه ..في إحدى محطات غربته ,وهو جالس على ضفةِ نهرٍ
ذّكَرَهُ بِـــدجلةِ الخير , بعد أن أحطت بجانبه عصفورة ! ..
" تسألني عُـصفورَتي "
تسألني عُصفورتي عن بلدي .... وهيً تقرأ عنهُ مُنذُ أعوام
تـقـرأ آداباً وفـنوناً وأقـاصيصَ الـزمان
تَطيرُ على بِساط الريحِ إلى أحلامٍ وجِنان ..
أسـفـارُ سندبادَ بـين البـُلدان
أوتارُ شهرزادَ على السلطان
أسرارُ بغدادَ بنغماتٍ وألـحان
عبـيرُ الأورادِ والـرَيحان
جبالُ الأكـرادِ والوديان
آثارُ الأجدادِ والجُدران
طِباعُ الأحفادِ والإكرام
تسألُـني عما لا تصِفهُ الأقـلام
ما لا تـقرأهُ في كُتبٍ ...ولا تسمعهُ مِـن لِسـان
تسألني عن المسكوف .. وعن الشبوط .. وعن أسرارِ الطعام
تسألُني عن الفراتينِ .. هل يُشبِهان النيلين في السودان
وعن أرضِ حضاراتهِ .. هل تـُشبه أرضَ مِصرَ والأهـرام
وعن المسماريةِ .. أولُ كتابةٍ للإنسان .. ألا تزالُ جميلةً على أقدَم الجدران ؟
والمُستنصريةِ .. ألا تزالُ بنفسِ العمران .. ألا تزالُ تُـثـقٍـفُ أحسنَ الأنام ؟
وأعجوبةِ الدُنيا .. الجِنانِ المعلقةِ ... أحقاً باهرةً للعيان ؟
والمنارةِ الحدباءَ في أُمٍ الربيعين ..أحقاً تزداد ميلان ؟!
أحقاً هوً بـلدُ السوادِ تحت النخيلِ ... ظِلالٌ ظلام ؟!
أحقاً يُشـفَى المريضُ في حمام العليلِ ... أسخنِ حمام ؟!
أحقاً تَشعُرُ بمسقطِ رأس الخليلِ ... وحُطام الأصنام ؟!
وديـرْ مارْ مَتّي , مغارةٌ للجليلِ ... ورهبـةِ الرهبان ؟!
كُــفي يــا عُصفورَتي ! لا تسأليني عما لا ينقلهُ الـلِسـان
رَفرِفي على بـيدائِـه وجِبالـهِ والوديـان
قالت .... كَيْفَ .. ومُنذُ عشرِ سنينٍ .. سماؤهُ ممنوعةُ الطيران !!!!
فالعصفورةُ ... لا تعيشُ لأكثرَ مِن عشرةِ أعوام
من بريدي الخاص
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق