في كتاب "إيلى زعيرا" رئيس المخابرات الحربية الإسرائيلية في حرب 1973 بعنوان "حرب الغفران: الأسطورة أمام الواقع" نقرأ عن نظرة العدو الصهيوني لهذه الحرب التي عدت انتكاسة إسرائيل الكبرى حتى الآن ، والكتاب صدرت ترجمته للعربية عن المكتبة الثقافية ببيروت، وقد كتبه مؤلفه بعد أكثر من عشرين عاما على صدور تقرير لجنة "اجرانات" التي تم تشكيلها لمعرفة من المسئول عن الهزيمة في الحرب.
وذكرت الصحف آنذاك أن الكتاب هز الأوساط الأمنية والاجتماعية في إسرائيل مما حدا بالحكومة إلى مصادرته قبل طبعه من قبل جهاز الرقابة العسكرية التابع رأسا للمخابرات الحربية الإسرائيلية وللموساد أكثر من مرة، فهو يكشف أسرار لم تنشر من قبل في أي مكان لأن "إيلي زعيرا" نفسه ظل صامتا بعد إقالته إلى وقت تأليف هذا الكتاب، وبعد أن انتهت فترة الحظر المفروضة على الأسرار العسكرية فتح "زعيرا" النار على كل من علّقوا به وعليه أخطاء الهزيمة ليقول: "كلكم مخطئون عدا المخابرات الحربية وأنا".
لجنة غير نزيهة
فى مذكراته هذه التي ترجمها توحيد مجدي يقول "زعيرا" إن الأول من أكتوبر من عام 1973 كان هو اليوم الذى عين فيه رئيسا لشعبة المخابرات فى الجيش، وبعده بأيام نشبت الحرب، وبعدها بعدة شهور أوصت لجنة التحقيق الحكومية برئاسة رئيس المحكمة العليا الدكتور "شمعون أجرانات" بنقل رئيس هيئة الأركان الفريق "ديفيد اليعازر" وقائد المنطقة الجنوبية اللواء "شموئيل جونين"، ورئيس شعبة المخابرات العسكرية اللواء "إيلى زعيرا"، ومساعد رئيس شعبة المخابرات العسكرية للبحوث العميد "آرييه شاليف" من مناصبهم.
وبرأت تلك اللجنة من أى تهمة ومن أى عقوبة ساحة كبار القيادة السياسية، رئيسة الوزراء "جولدا مائير"، ووزير الدفاع "موشيه ديان"، إلا أن الشعب رفض هذا الحكم وأجبر الضغط الجماهيرى كلا من "جولدا مائير" و"موشيه ديان" على الاستقالة.
يتهم المؤلف تلك اللجنة بالبعد عن النزاهة لأنها لو كانت كذلك لأمرت بإقالة "مائير" و"ديان" من رئاسة الحكومة ووزارة الدفاع، لأنهما يتحملان المسئولية السياسية عن الحرب برأيه .
فقد اعترف "زعيرا" في الكتاب أن المخابرات المصرية دست معلومات مضللة على جولدا مائير بدون تحليل من المخابرات على اساس انها موثوق بها وكانت هذه المعلومات هي السبب الأساسي وراء التقديرات الخاطئة التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية.
أخطاء قاتلة
الرئيس السوري حافظ الاسد اثناء حرب اكتوبر
في هذا الفصل يفند المؤلف الأخطاء القاتلة التي وقعت فيها إسرائيل قبل بدء حرب 1973 قائلا: قدمت المخابرات العسكرية قبل حرب الغفران "أكتوبر" للزعامة السياسية صورة كاملة ودقيقة للغاية عن حجم قوات "العدو" – يقصد المصريين - وتحركاتها وانتشارها وقدرتها على الدخول في الهجوم، ولم تفعل القيادة شيئا، فصورة الوضع هذه كانت تحتم وفقا لنظرية الأمن في إسرائيل تنفيذ عملية تعبئة فورية جزئية وسرية ولكن هذا الأمر لم يتم.
أيضا ينتقد "زعيرا" السلاح الجوي الإسرائيلي الذي لم يقم بدوره في فرملة هجوم العدو وتقديم قوة نيران للقوات البرية في الحرب الدفاعية، ويشير المؤلف أن السلاح الجوي الإسرائيلي قد أبلغ قادة هيكل الدفاع بكل صراحة حتى قبل نشوب حرب "عيد الغفران" أنه لن يستطيع توجيه قدراته إلى هذه المهمة على أقل تقدير خلال الـ48 ساعة الأولى من الحرب، ولقد كان معنى بلاغ السلاح الجوي واضحا: إن واحدا من الأعمدة الرئيسية في نظرية الأمن قد انهار دون أن يسمع أحد من قادرة هيكل الدفاع شيئا.
ويوضح المؤلف أن جيوش مصر وسوريا بدأت في التزود بصواريخ أرض/ جو سوفييتية من أكثر الأنواع تطورا بعد حرب الأيام الستة "5يونيو 1967"، وأصبح من الصعب جدا على الطائرات أن تقضي على بطاريات الصواريخ دون ثمنا غير منطقي من الخسائر في الطائرات والطيارين، وهذا الأمر لم يستوعبه على الإطلاق قادة هيكل الدفاع.
خسائر
يشير المؤلف إلى أن خط بارليف لم يكن حصنا منيعا كما صورته إسرائيل للعالم، فحين قامت طائرات السلاح الجوي المصري بتصوير الضفة الشرقية لقناة السويس اكتشفوا أن خط برليف ليس خطا متصلا ولكنه شبكة من المواقع المتباعدة جدا وبين كل موقع وآخر توجد مسافة كبيرة لا يسيطر عليها جيش الدفاع الإسرائيلي على الإطلاق، وعلى وجه الخصوص في ساعات الليل.
جنود مصريون يكتسحون خط بارليف الإسرائيلي
ولم يكتف المصريون بالنتائج التي حصلوا عليها من عمليات التصوير الجوي بل درسوا الوضع على الطبيعة من خلال استغلال الليالي المظلمة من أجل عبور القناة وإقامة الكمائن بين النقاط الحصينة والعودة إلى الضفة الغربية للقناة فجرا وفي غالبية عمليات العبور الليلية هذه لم تصطدم الدوريات المصرية بأي جندي واحد من جنود جيش الدفاع الإسرائيلي.
وفي بحث أعده الباحث العقيد "احتياط" دكتور زئيف إيتان حلل فيه القتال خلال اليومين الأول والثاني من الحرب قال كما نقل عنه "زعيرا" مؤلف الكتاب: "السلاح الجوي الذي كان مقيدا آنذاك في نشاطه على مقربة من القناة بسبب ساتر الصواريخ، مارس نشاطه قليلا في اليوم الأول من الحرب ومني بأربع خسائر في قطاع القناة، وفي اليوم الثاني بلغت خسائر السلاح الجوي عشر طائرات ووصل إجمالي عمليات السلاح الجوي في هذا اليوم في سيناء إلى طلعة واحدة في صباح ذلك اليوم".
وفي موضوع الخسائر في الدبابات يقول الباحث: "لقد كانت النتيجة أنه من بين 280 دبابة كانت موجودة لدى مجموعة عمليات سيناء ظهر السادس من أكتوبر لم يبق في الغداة سوى 110 دبابات، ولقد أصيبت 153 دبابة نصفها غرق في المستنقعات أو دمر".
ويؤكد المؤلف أنه في حرب "عيد الغفران/ أكتوبر" فقد سلاح الطيران 109 طائرات، سبع طائرات فقط فقدناها في معارك جوية، أما الباقي – أكثر من مئة طائرة – فقدناها نتيجة نيران أرضية من صواريخ متطورة، أما سوريا فكان كل ما فقدته أربع بطارايت صواريخ أرض / جو، من بين 30 بطارية صواريخ أرض / جو على طول الجبهة.
خدعة الحرب
في هذا السياق يشير "زعيرا" إلى أن خطة الخداع المصرية قد حققت نجاحا كبيرا، ولذلك فإن القصص التي كُتبت عن الحرب والتي نشرها كل من الصحفي محمد حسنين هيكل والجنرال سعد الشاذلي رئيس الأركان العامة السابق عن حرب يوم الغفران امتلأت بالتفصيلات الدقيقة لخطط الإعداد لها، والصحفي حسنين هيكل كان الصحفي الوحيد في مصر الذي علم بموعد الحرب.
وعن خطة الخداع المصرية كتب هيكل: "إن المفاجأة وطريقة تنفيذها شغلت القيادة العليا لفترة طويلة، وقد نجحت القيادة في إيجاد أساليب إيجابية وسلبية تضمن المفاجأة على المستوى الاستراتيجي والتعبوي والتكتيكي"
إن الخداع - كما يقول مؤلف الكتاب - هو العنصر الرئيسي في الحرب المفاجئة، فلم يكن في الهجوم المصري - السوري على إسرائيل أي عنصر آخر يختلف من ناحية التخطيط والتنفيذ برأيه ، لكن العنصر الوحيد الذي تم إعداده جيدا وتنفيذه بكفاءة كبيرة كان عنصر الخداع المصري وهو العنصر الذي ساهم أكثر من أي شئ آخر في عدم فهم طبيعة الإعدادات المصرية لعبور القناة.
كانت الفجوة بين التوقعات فيما يتعلق بالقدرات القتالية لجيش الدفاع الإسرائيلي وبين الواقع الذي اتضح خلال الـ48 ساعة الأولى من القتال سببا في: احتلال المصريين لخط بارليف، وشل قدرة السلاح الجوي الذي لم يستطع تقديم المعونة للقوات البرية ولم يدمر الصواريخ أرض/ جو، بالإضافة إلى فشل الهجوم المضاد على منطقة القناة.
وبنبرة حزينة يؤكد "زعيرا" بكتابه أن حرب أكتوبر كانت من أقسى الأوقات في تاريخ إسرائيل قائلا: إنني على ثقة إن بعض الشخصيات في الزعامة السياسية العسكرية وبصفة خاصة "موشيه ديان: قد أدركوا وبسرعة حجم الأخطاء في التخطيط القتالي الذي سبق الحرب، ولكن هؤلاء أدركوا أنهم إذا ما اعترفوا بالأخطاء فسوف يحاسبهم الشعب.
مفاجآت
يؤكد المؤلف أنه حدث خطأ شديد في التخطيط العملي لجيش الدفاع، لأن الخطط العملية لم يتم اختبارها على أرض الواقع ، وعلى رأس المفاجآت التي يكشفها المؤلف تحسن الكفاءة العسكرية للجندي المصري في هذا الوقت وعن ذلك يقول موشيه ديان: "لقد كانت كفاءة الهجوم العربي فوق المتصور. إن حرب الأيام الستة وبعض الاشتباكات الأخرى بين جيش الدفاع ووحدات عربية في الجو والبر، أدت إلى تولد تقدير يقول: إنه لو نشبت حرب لن يكون النصر صعبا على إسرائيل".
القوات المصرية فى حرب اكتوبر
وفي هذا الشأن يقول العميد شموئيل شقر كبير ضباط المظلات عام 1973: "في الحساب الأخير فوجئنا ليس بنشوب الحرب وإنما بالقدرة العسكرية المصرية. لقد استهنا جميعا بسلاح المشاة المصري، لقد عبر سلاح المشاة القناة، ورغم الإصابات واصل العبور وملأ الجو بصواريخ مضادة للدبابات ومضادة للطائرات، لقد قام سلاح المشاة المصري بتدمير دبابات إسرائيلية، قبل حرب عيد الغفران لم يجرؤ واحد منا على القول بأن سلاح المشاة المصري سيحطم دبابات إسرائيلية".
ويحكي المؤلف أن كلا من رئيسة الوزراء ووزير الدفاع ورئيس الأركان قد كذب على الشعب الإسرائيلي واهما إياه أنهم لم يخطئوا، بل كانت تقديراتهم السياسية وخططهم العملية صحيحة وسليمة، إلا أن المخابرات الإسرائيلية هي من تتحمل الأمر.
ولكن المؤلف يدعي أيضا مكالمة هاتفية قام بها جمال عبدالناصر الزعيم المصري بعد نكسة 1967 عندما اتضح له أن سلاح الطيران الإسرائيلي قد دمر سلاح الطيران المصري، فتحدث للملك حسين ملك الأردن لتنسيق "كذبة قومية" وإدخالها إلى وعي الشعب العربي حيث يتم إرجاع النكسة الجوية المصرية إلى الطياريين والطائرات الأمريكية والإنجليزية التي شاركت جزئيا في الهجوم الإسرائيلي، بحيث لا تتهم الشعوب الملوك والرؤساء العرب !!
والغريب ما يقوله "زعيرا" أن وزير الدفاع الإسرائيلي قرر في التاسعة والنصف من صباح يوم الجمعة الخامس من أكتوبر أن احتمال الحرب كبير جدا، وأن مصر وسوريا تنويان مباغتة إسرائيل وأن الهجوم قد يقع في عيد الغفران، ورغم هذا لم يأمر بالتعبئة ولو بلواء واحد، أما رئيس الأركان الذي سمع تقدير قائده وزير الدفاع فم يختلف معه ولم يطلب استدعاء الاحتياط.
شبكة الاعلام العربيه
.
.
.
.
.
//
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق