الاثنين، 7 مايو 2012




إن الصعوبات المعاشية التى عانى منها العراقيون بدأت بعد فرض الحصار الشامل على العراق .

 إن الجميع يعرف بأن الحصار فُرض بعد عام 1991 لم يكُن له مثيل في تاريخ الأمم المُتحدة , فلقد سبق أن فرضت عقوبات على دول أخرى , ولكن الحصار الذي فُرض على العراق كان مشروعاً هدفه خنق العراق وتدميره وتسهيل مهمة إسقاط نظامه الوطني , ولا حاجة لذكر الأدلة والشواهد على ذلك , فهي معروفة تماماً للجميع .

 وبعد سنوات من فرض الحصار الشامل , حصلت مثتغيرات في الموقف الدولي ’ ففي الوقت الذي بقيت أمريكا وبريطانيا تُمارسان هذه السياسة , تغيرت مواقف فرنسا وروسيا تدريجياً , ولم تعودا تُشاركان في لعبة إسقاط النظام الوطني .

 غير ان إمتلاك أمريكا وبريطانيا لامتياز الفيتو في مجلس الامن حال دون كثير من المُحاولات التي جرت لتخفيف الحصار وحصره في إطار الفقرة 22 من القرار 687 الخاص بأسحلة الدمار الشامل .

 ومع ذلك شهدت السنوات اللاحقة تغيرات في المواقف خففت إلى حد ما من شدة الحصار , وفي الأعوام الأخيرة بعد عام 1997 , حصلت تطورات مكنت العراق من التحرك بشكل أيسر من السابق مما انعكس بقدر ما على حياة شعب العراق وحكومته .

 والحقيقة الأساسية في هذا الشأن هي أن قيادة العراق برغن هذا الحصار الشامل القاسي , كانت تعمل بجهد يقرب من المستحيل على تخفيف العبء عن الشعب .

 وأول ما استطلع العراق إنجازه هو الحملة الوطنية الشاملة الفريدة من نوعها في إعادة إعمار ما تم تدميره في عدوان 1991 , إن هذا العدوان الذي لم يكن له مثيل دمر كُل ما كان يمتلكه العراق , ومع ذلك شرع العراقيون بقيادة صدام حسين في إعادة الإعمار اعتماداً على ما تبقى للعراق من وسائل وقدرات , وعلى إمكانات العراق المحدودة .

لقد دمرت الحرب 1991 الجسور والطرق الرئيسية ومحطات الكهرباء وتنقية المياة والمصانع حتى مصنع حليب الأطفال , ومع ذلك استطاع العراقيون بهمة لا مثيل لها أن يعيدوا بناء الكثير مما دُمر , وفي هذه النقطة تكمن حقيقة جوهرية عن طبيعة نظام صدام حسين , كما تكمن حقائق جوهرية عن الفرق بينه وبين النظام الذي جاءت به أمريكا إلى العراق بعد 9/4/2004 .

 إن إعادة الإعمار لم يكن قراراً أصدرته القيادة , بل كان جهداً وطنياً شاملاً شارك فيه ملايين العراقيين بهمة وحماسة لا يمكن أن تأتيا إلا إذا كان هُناك صلة صحية بين القيادة والشعب وخاصة الفئات المتنورة من الشعب من العلماء والمُهندسين والأطباء وأساتذة الجامعات وكُل المُثقفين العراقيين .

 فإذا كان النظام الدكتاتوري المُتسلط الذي يستخدم القوة قادراً على إجبار الناس على حمل الحجارة لبناء أشياء مثل الأهرامات , لا يستطيع نظام دكتاتوري مكروه يرفضه الشعب أن يعيد بناء المصانع والجسور ومحطات الكهرباء والماء والتلفونات وغير ذلك من المواقع الحاكمة في المجتمع في ظروف حصار دولي قاس وشامل .

 إن إعادة بناء كُل ذلك يدل على الروح الوطنية العالية لدى العراقيين , كما يدل على علاقة صحّية بين الحكومة والشعب , الآن مثلاً دُمر جسر واحد في بغداد بعمل إرهابي هو جسر العراقية , في حين دمرت في عام 1991 عشرات الجسور من بغداد إلى البصرة , وفي الوقت الذي لا يزال هذا الجسر مغلقاً امام المارة , أعيد بناء عشرات الجسور المدمرة في العراق , والعراق الآن ليس واقعاً تحت الحصار , ويدعي الأميركان أنهم يساعدون العراقيين في بناء بلدهم .

 وفي الوقت الذي تزداد فيه موارد العراق من النفط بمعدلات خرافية ويستطيع العراق أن يتعامل مع كل العالم بدون أية عوائق مفروضة ’ تعجز الحكومات الحالية منذ سنوات عن توفير الكهرباء والماء الصالح للشرب والتلفونات , وتتوقف المصانع عن الإنتاج , وتتدهور الجامعات والمراكز العلمية , ويهرب المهندسون والفنيون إلى خارج العراق , بل قتل الكثير منهم واختفت أخباره , ومع ذلك تسمى الحكومة الحالية نفسها بانها حكومة ديمقراطية انتخبت من قبل الشعب !!

وإذا قارنا حال الفساد في الإدارة العراقيةفي عهد صدام حسين بحالة الفساد حالياً , نجد حالات محدودة وصغيرة الحجم في عهد صدام , انتشر الفساد في كل مرافق الدولة في عراق الديمقراطية والتحرير حتى أصبح العراق مضرب الأمثال في حالة الفساد .


 إن هذه الأوضاع بين عهدين تضع مقاييس لا تقبل الجدل بين أصحاب هذا الموقف السياسي أو ذاك , إنها إختلافات جوهرية في طبيعة النظام الذي جاءت به أمريكا ومعها أتباعها وعملاؤها ومن أختارتهم هي بنفسها لحكم العراق منذ تشكيل مجلس الحكم في عهد بريمر وحتى هذا اليوم .

 ويمكن أعتبار البطاقة التموينية معياراً أساسياً آخر لتقييم نظام صدام حسين والنظام الحالي لصلة هذه البطاقة بحياة الشعب وخاصة الفقراء منهم , فيعد صدور قرار الحصار بعد 2/8/1990 , قرر صدام حسين تأمين حصة تموينية من الأغذية الرئيسية كالأرز والطحين والسُكر والشاي وحليب الأطفال والمنظفات وغيرها مما تيسر لدي الدولة , وبرغم الحصار الشامل الجائر وجفاف موارد الدولة , استمرت هذه البطاقة التي زودت لكل إنسان مقيم في العراق من العراقيين والعرب وحتى بعض الأجانب من الفقراء , بحد أدنى من الحاجات الغذائية الأساسية , فلم تحصل حالة مجاعة في العراق .

وفي السنوات التي أعقبت تطبيق برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء , بلغت الحصة التموينية إلى أكثر من (2000) كالوري (سعر حراري ) في اليوم لكل فرد من أفراد الشعب , وقبل الحرب الأخيرة في (2003) , أمر صدام حسين بتوزيع حصة ثلاثة أشهر مقدماً تحسباً لما قد يحصل أثناء العدوان من اضطرابات .

 وعندما كانت أنصار ما يسمى بالنظام الجديد يرقصون فرحاً عندما سحبت الدبابات الامريكية تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس وأسقطته على الأرض , كان هؤلاء وعملاؤهم ما يزالون يأكلون من المواد الغذائية التي زودهم بها صدام , والآن كيف هو الحال !!

ليست هناك تعليقات: