الاثنين، 30 مايو 2011

كتاب الأم للإمام الشافعي

كتاب الأم للإمام الشافعي



كتاب الأم للشافعي





عن الكتاب
جمعه: البويطي، بعد أن أملاه الشافعي على تلاميذه في مصر، ولم يذكر اسمه فيه ولا نسبه إلى نفسه، ومع ذلك فقد نسب: إلى الربيع بن سليمان المرادي، بعد أن رتبه وبوَّبه. ويعد هذا الكتاب آخر ما وصل إليه الشافعي، ويعبر عن المسائل التي فيها، بأنها مذهب الشافعي الجديد.




عن الكاتب


الامام الشافعي احد الائمة الاربعة عند اهل السنة واليه نسبة الشافعية كافة . وهو ابوعبد الله محمد بن ادريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي المطلبي. وكان ابوه قد هاجر من مكة الى غزة بفلسطين بحثا عن الرزق لكنه مات بعد ولادة محمد بمدة قصيرة فنشأ محمد يتيما فقيرا . وشافع بن السائب هو الذي ينتسب اليه الشافعي لقي النبي صلى الله عليه وسلم ، واسر ابوه السائب يوم بدر في جملة من أسر وفدى نفسه ثم اسلم . ويلتقي نسبه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عبد مناف.

اما امه فهي يمانية من الازد وقيل من قبيلة الاسد وهي قبيلة عربية لكنها ليست قرشية، قيل ان ولادة الشافعي كانت في عسقلان وقيل بمنى لكن الاصح ان ولادته كانت في غزة عام 150 هجرية وهو نفس العام الذي توفى فيه ابو حنيفة .
ولما بلغ سنتين قررت امه العودة وابنها الى مكة لاسباب عديدة منها حتى لايضيع نسبه ، ولكي ينشأ على ما ينشأ عليه اقرانه ، فأتم حفظ القران وعمره سبع سنين . عرف الشافعي بشجو صوته في القراءة ، قال ابن نصر : كنا اذا اردنا ان نبكي قال بعضنا لبعض : قوموا الى هذا الفتى المطلبي يقرأ القران ، فاذا أتيناه (يصلي في الحرم ) استفتح القران حتى يتساقط الناس ويكثر عجيجهم بالبكاء من حسن صوته فاذا راى ذلك امسك من القراءة . ولحق بقبيلة هذيل العربية لتعلم اللغة والفصاحة . وكانت هذيل افصح العرب ، ولقد كانت لهذه الملازمة اثر في فصاحته وبلاغة ما يكتب، وقدلفتت هذه البراعة انصار معاصريه من العلماء بعد ان شب وكبر ، حتى الاصمعي وهو من ائمة اللغة المعدودين يقول : ( صححت اشعار هذيل على فتى من قريش يقال له محمد بن ادريس ) وبلغ من اجتهاده في طلب العلم ان اجازه شيخه مسلم بن خالد الزنجي بالفتيا وهو لا يزال صغير .

حفظ الشافعي وهو ابن ثلاث عشرة سنة تقريبا كتاب الموطأ للامام مالك ورحلت به امه الىالمدينة ليتلقى العلم عند الامام مالك . ولازم الشافعي الامام مالك ست عشرة سنة حتى توفى الامام مالك (179 هجرية ) وبنفس الوقت تعلم على يد ابراهيم بن سعد الانصاري ، ومحمد بن سعيد بن فديك وغيرهم .
وبعد وفاة الامام مالك (179 هجرية ) سافر الشافعي الى نجران واليا عليها ورغم عدالته فقد وشى البعض به الى الخليفة هارون الرشيدفتم استدعائه الى دار الخلافة سنة (184هجرية ) وهناك دافع عن موقفه بحجة دامغة وظهر للخليفة براءة الشافعي مما نسب اليه واطلق سراحه .
واثناء وجوده في بغداد أتصل بمحمد بن الحسن الشيباني تلميذ ابي حنيفة وقرأ كتبه وتعرف على علم اهل الرأي ثم عاد بعدها الى مكة واقام فيها نحوا من تسع سنوات لينشر مذهبه من خلال حلقات العلم التي يزدحم فيها طلبة العلم في الحرم المكي ومن خلال لقاءه بالعلماء اثناء مواسم الحج . وتتلمذ عليه في هذه الفترة الامام احمد بن حنبل .
ثم عاد مرة اخرى الى بغداد سنة ( 195 هجرية ) ، وكان له بها مجلس علم يحضره العلماء ويقصده الطلاب من كل مكان . مكث الشافعي سنتين في بغداد ألف خلالها كتابه (الرسالة ) ونشر فيها مذهبه القديم ولازمه خلال هذه الفترة اربعة من كبار اصحابه وهم احمد بن حنبل ، وابو ثور ، والزعفراني ، والكرابيسي . ثم عاد الامام الشافعي الى مكة ومكث بها فترة قصيرة غادرها بعد ذلك الى بغدادسنة (198هجرية ) وأقام في بغداد فترة قصيرة ثم غادر بغداد الى مصر .
قدم مصر سنة ( 199 هجرية ) تسبقه شهرته وكان في صحبته تلاميذه الربيع بن سليمان المرادي ، وعبدالله بن الزبير الحميدي ، فنزل بالفسطاط ضيفا على عبد الله بن عبد الحكم وكان من اصحاب مالك . ثم بدأ بالقاء دروسه في جامع عمرو بن العاص فمال اليه الناس وجذبت فصاحته وعلمه كثيرا من اتباع الامامين ابي حنيفة ومالك . وبقي في مصر خمس سنوات قضاها كلها في التأليف والتدريس والمناظرة والرد على الخصوم . وفي مصر وضع الشافعي مذهبه الجديد وهو الاحكام والفتاوى التي استنبطها بمصر وخالف في بعضها فقهه الذي وضعه في العراق ، وصنف في مصر كتبه الخالدة التي رواها عنه تلاميذه .

وتطرق احمد تمام في كتابه (الشافعي ملامح وآثار ) كيفية ظهور شخصية الشافعي ومنهجه في الفقه . هذا المنهج الذي هو مزيج من فقه الحجاز وفقه العراق ، هذا المنهج الذي انضجه عقل متوهج ، عالم بالقران والسنة ، بصير بالعربية وادابها خبير باحوال الناس وقضاياهم ، قوي الرأي والقياس .
فلو عدنا الى القرن الثاني الميلادي لوجدنا انه ظهر في هذا القرن مدرستين اساسيتين في الفقه الاسلامي هما مدرسة الراي ، ومدرسة الحديث ، نشأت المدرسة الاولى في العراق وهي امتداد لفقه عبدالله بن مسعود الذي اقام هناك ، وحمل اصحابه علمه وقاموا بنشره . وكان ابن مسعود متأثرا بمنهج عمر بن الخطاب في الاخذ بالرأي والبحث في علل الاحكام حين لا يوجد نص من كتاب الله او سنة رسوله صلى الله عليه وسلم . ومن أشهر تلامذة ابن مسعود الذين أخذوا عنه : علقمة بن قيس النخعي ، والاسود بن يزيد النخعي ، ومسروق بن الاجدع الهمداني ، وشريح القاضي ، وهؤلاء كانوا من ابرز فقهاء القرن الاول الهجري . ثم تزعم مدرسة الرأي بعدهم ابراهيم بن يزيد النخعي فقيه العراق بلا منازع وعلى يديه تتلمذ حماد بن سليمان ، وخلفه في درسه ، وكان اماما مجتهدا وكانت له بالكوفة حلقة عظيمة يؤمها طلاب العلم وكان بينهم ابو حنيفة النعمان الذي فاق أقرانه وانتهت اليه رئاسة الفقه ، وتقلد زعامة مدرسة الرأي من بعد شيخه ، والتف حوله الراغبون في تعلم الفقه وبرز منهم تلاميذ بررة على رأسهم ابو يوسف القاضي ، ومحمد بن الحسن ، وزفر والحسن بن زياد وغيرهم ،وعلى يد هؤلاء تبلورت طريقة مدرسة الرأي واستقر امرها ووضح منهجها .
وأما مدرسةالحديث فقد نشأت بالحجاز وهي امتداد لمدرسة عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر ، وعائشة وغيرهم من فقهاء الصحابة الذين أقاموا بمكة والمدينة ، وكان يمثلها عددكبير من كبار الائمة منهم سعد بن المسيب ، وعروة بن الزبير ، والقاسم بن محمد ، وابن شهاب الزهري ، والليث بن سعد ، ومالك بن انس . وتمتاز تلك المدرسة بالوقوف عند نصوص الكتاب والسنة ، فان لم تجد التمست اثار الصحابة ، ولم تلجئهم مستجدات الحوادث التي كانت قليلة في الحجاز الى التوسع في الاستنباط بخلاف ما كان عليه الحال في العراق .
وجاء الشافعي والجدل مشتعل بين المدرستين فأخذ موقفا وسطا ، وحسم الجدل الفقهي القائم بينهما بما تيسر له من الجمع بين المدرستين بعد ان تلقى العلم وتتلمذ على كبار اعلامهما مثل مالك بن انس من مدرسة الحديث ومحمد بن الحسن الشيباني من مدرسة الرأي .
دون الشافعي الاصول التي اعتمد عليها في فقهه ، والقواعد التي التزمها في اجتهاده في رسالته الاصولية "الرسالة " وطبق هذه الاصول في فقهه ، وكانت اصولا عملية لا نظرية ، ويظهر هذا واضحا في كتابه " الام " الذي يذكر فيه الشافعي الحكم مع دليله ، ثم يبين وجه الاستدلال بالدليل وقواعد الاجتهاد واصول الاستنباط التي اتبعت في استنباطه ، فهو يرجع اولا الى القران وما ظهر له منه ، الا اذا قام دليل على وجوب صرفه عن ظاهره ،ثم الى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى الخبر الواحد الذي ينفرد راو واحد بروايته ، وهو ثقة في دينه ، معروف بالصدق ، مشهور بالضبظ . وهو يعد السنة مع القران في منزلة واحدة ، فلا يمكن النظر في القران دون النظر في السنة التي تشرحه وتبينه ، فالقران يأتي بالاحكام العامة والقواعد الكلية ، والسنة هي التي تفسر ذلك ،فهي التي تخصص عموم القران او تقيد مطلقه ، او تبين مجمله .
ولم يشترط الشافعي في الاحتجاج بالسنة غير اتصال سند الحديث وصحته ، فاذا كان كذلك صح عنده وكان حجة عنده ، ولم يشترط في قبول الحديث عدم مخالفته لعمل اهل المدينة مثلما اشترط الامام مالك ، او ان يكون الحديث مشهورا ولم يعمل راويه بخلافه . ووقف الشافعي حياته على الدفاع عن السنة ، واقامة الدليل على صحة الاحتجاج بالخبر الواحد ، وكان هذا الدفاع سببا في علو قدر الشافعي عند اهل الحديث حتى سموه ( ناصر السنة ) . ولعل الذي جعل الشافعي يأخذ بالحديث اكثر من أبي حنيفة حتى انه يقبل خبر الواحد متى توافرت فيه الشروط ، انه كان حافظا للحديث بصيرا بعلله ، لايقبل منه الا ما ثبت عنده ، وربما صح عنده من الاحاديث ما لم يصح عند أبي حنيفة واصحابه . وبعد الرجوع الى القران والسنة يأتي الاجماع ان لم يعلم له مخالف ، ثم القياس شريطة ان يكون له اصل من الكتاب والسنة ، ولم يتوسع فيه مثلما توسع الامام أبو حنيفة .

ليست هناك تعليقات: